وصلني إشعار رسالة على واتس آب من المجموعة المخصصة لفريق العمل والتي يتم تنظيم وتوزيع العمل من خلالها.
قرأت الرسالة وكانت من مدير الفريق أ. محمد، قرأتها من الخارج دون أن أدخل على المجموعة لكي لا يظهر اسمي من ضمن الأسماء التي قرأت الرسالة، وتصورت في البداية أن الرسالة تتضمن توبيخاً عن خطأ في أحد المقالات المكلفة أنا بتحريرها والتشييك عليها، وبالفعل كنت أنا المقصودة..
تحول هذا القلق لفرح بعد أن قرأت الرسالة والتي كان مضمونها الإشادة بإحدى مقالاتي، كتب فيها: (بصراحة المقال عبارة عن لوحة إبداعية استطعتِ أن تنشئي موضوعاً شيّقاً من خبر بسيط لا يتجاوز السطرين)، وأضاف، ستتم مكافئتكِ قريباً، ففي لفتة جميلة جًدا على قدر بساطتها، كنت سعيدة بها جدًا، خاصة أنها جاءت بعد تخوف من توبيخ معتاد.
دخلت المجموعة لكي أقرأ الرسالة بطريقة شرعية ليظهر اسمي بين من شاهدوا الرسالة، وهممت بكتابة رسالة شكر للأستاذ محمد ثم … استيقظت من الحلم!
نعم، كان هذا حلمًا، أو على ما يبدو كان حيلة نفسية دفاعية ناتجة عن ضغط ومسؤولية، والتخوف من تبعات عدم الالتزام به، وبشكل ما، سبب هذا “إرهاقًا” نفسيًّا تم تفريغه لا إراديًّا في صورة حلم حققت فيه ما أتمناه في الواقع.
وفي الواقع، بدأت التفكير في مسألة مهمة، وهي دور المدير في حماية فريق عمله من الإرهاق، الإرهاق الذي لا يتمثل فقط في الإرهاق البدني، بل والنفسي كذلك، الناتج عن الضغوط المختلفة صورها في بيئة العمل.
بيئة العمل وتأثيرها على إنتاجية الموظفين
بيئة العمل هي إحدى المصطلحات الشائعة عند الحديث عن العمل والإنتاجية واستقطاب الكفاءات، فبيئة العمل الجيدة تزيد من فرص استقطاب الكفاءات والاستفادة المثلى من إمكاناتهم ومهاراتهم، وبالتالي ينعكس ذلك على إنتاجية المؤسسة.
وينعكس ذلك بصورة إيجابية على المنتج والخدمة، إضافة إلى أنه يزيد من مستوى الولاء للمؤسسات، حيث يصل فيها الحال بالموظف إلى أن يمارس عمله وكأنه أحد ملاك الشركة وليس فقط موظفا يؤدي مهام محددة.
ومن واجب المسؤول أو مدير الفريق هنا أن يباشر مجموعة من المهام التي تزيد من كفاءة العمل، مثل تحفيز الموظفين على مزيد من الإنتاجية كما أنه يكون القدوة لهم، فعندما يرونه يعمل بجد وإخلاص وفاعلية يكون قدوة لهم في بذل مزيد من الجهد، كما أن المسؤول الذي يعدل بين موظفيه ويعاملهم معاملة ليس فيها تمييز ويكافئ المجتهد منهم ويتعاون مع قليل الخبرة بتوجيهه وتجاوز الأخطاء غير المقصودة منه، كما أنه بصورة عامة يكون قدوة للمجموعة يتأثرون به.
البعض يظن أن الحوافز هي فقط في تقديم مبالغ إضافية لتشجيع الموظفين، وهذا يعتبر أحدها، لكن في أغلب الأحيان يكون التقدير هو سيد الموقف.
كلمة “شكراً” مثلاً أو كلمة “أحسنت” ، “عمل رائع”، “برافو” من شأنها أن تحدث فارقاً لدى الموظف وتحفزه لإنتاج أفضل وبجودة أعلى.
جميعنا بحاجة إلى التقدير وكلمات الشكر والموظف بالأخص يحتاج بين الحين والآخر إلى الإشادة بعمله أو انتاجه.
والمقصود من “التقدير” هنا مبدأ يجب أن يتصرف على أساسه المدير مع أوجه التقصير وعدم الالتزام التي قد تصدر من الموظف، فلا يجب عليه أن يتعامل مع هذه الأخطاء بشكل آلي، مطبقًا مبدأ الثواب والعقاب بشكل حاد تحت شعار “الاحترافية”، بل يجب عليه أن يضع في الاعتبار رصيد الموظف الإيجابي في إنجازاتٍ سابقة، مراعيًا في تقديره لجسامة الخطأ مدى تكرره من الموظف، أو تعدد أخطائه وتنوعها بشكل عام.
في أغلب الحالات يأتي ذلك بنتيجة إيجابية، يكون الموظف معها حريصًا ألا يخطئ، ليس لأن عليه أن يؤدي مهامه على أكمل وجه فقط، ولكن لأن المدير الذي يحفظ للموظف رصيده الجيد ويستثمره لمصلحة الموظف عند تقدير مدى جسامة الخطأ الصادر منه، يخلق بدوره رصيدًا لنفسه لدى الموظف، والذي يترجمه إلى تقدير مقابل من نوع خاص يجعله حريصًا على عدم وضع مديره في موقف محرج بأي شكل كان بسبب خطأ صدر منه.
ومن العدالة في التعامل عدم إلزامه بالعمل لفترات أطول من المتفق عليه بصفة مستمرة إلا بتعويضه عن ذلك.
وأيضاً البرامج الخاصة بتقييم بيئة العمل وتقديم جوائز مناسبة خاصة بذلك، ستكون لها آثار إيجابية في بيئة العمل.
الخلاصة أن الاهتمام ببيئة العمل من خلال بعض الدراسات لأهم العوامل التي توفر بيئة عمل جيدة للموظفين له أثر كبير في الاقتصاد بصورة عامة، باعتبار أن المنافسة في تحسين بيئة العمل تزيد من إنتاجية المؤسسات والشركات، وتهيئ فرصا أفضل للنمو والاستدامة، مع قدرتها على استقطاب الكفاءات واستمرارها في تطوير العمل، كما أنها بصورة عامة تزيد من تحسين ظروف العمل للمواطنين وتزيد من إنتاجيتهم، وهي تعود على الاقتصاد بتوفير سلع وخدمات مميزة وإنتاجية أعلى للاقتصاد.